الثلاثاء، 17 يوليو 2012

وعظتني نفسي فعلمتني



وعظتني نفسي فعلمتني أن أرى الجمال المحجوب بالشكل واللون والبشرة، وأن أحدق متبصرا بما يعده الناس شناعة حى يبدو لي حسنا..
وقبل أن تعظني نفسي كنت أرى الجمال شعلات مرتعشة بين أعمدة من الدخان واضمحل فلم أعد أرى سوى مايشتعل .


وعظتني نفسي فعلمتني الإصغاء إلى الأصوات التي لا تولدها الألسنة ولا تضج بها الحناجر.
وقبل أن تعظني نفسي كنت كليل المسامع مريضها ، لا أعي سوى الجلبة والصياح ، أما الآن فقد صرت أتوجس بالسكينة فأسمع أجواقها منشدة أغاني الدهور ، مرتلة تسابيح الفضاء ، معلنة أسرار الغيب


وعظتني نفسي فعلمتني لمس ما لم يتجسد ولم يتبلور ، وأفهمتني أن المحسوس نصف المعقول . وان ما نقبض عليه بعض ما نرغب فيه.
. وقبل أن تعظني نفسي كنت أكتفي بالحار إن كنت باردا . والبارد إن كنت حارا. وبأحدهما إن كنت فاترا . أما الآن فقد انتثرت ملامسي المنكمشة و انقلبت ضبابا دقيقا يخترق كل ما ظهر من الوجود ليمتزج بما خفي منه .


وعظتني نفي فعلمتني أن أقول "لبيك" عندما يناديني المجهول والخطر .
. وقبل أن تعظني نفسي كنت لا أنهض إلا لصوت مناد عرفته . ولا أسير إلا على سبل خبرتها فاستهونتها. أما الآن فقد أصبح المعلوم مطية أركبها نحو المجهول ، والسهل سلما أتسلق درجاته لأبلغ الخطر .




وعظتني نفسي فعلمتني ألا أقيس الزمن بقولي: كان بالأمس وسيكون غدا .
. وقبل أن تعظني نفسي كنت أتوهم الماضي عهدا لا يرد والآتي عصرا لن أصل إليه . أما الآن فقد عرفت أن في الهنيهة الحاضرة كل الزمن بكل ما في الزمن مما يرجى وينجز ويتحقق .


وعظتني نفسي فعلمتني ألا أحد المكان بقولي : هنا وهناك وهنالك .
. وقبل أن تعظني نفسي كنت إذا ما صرت في موضع في الأرض ظننتني بعيدا عن كل موضع آخر .


وعظتني نفسي فعلمتني أن أسهر وسكان الحي راقدون . وأن أنام وهم منتبهون .
وقبل أن تعظني نفسي كنت لا أرى أحلامهم في هجعتي ولا يرصدون أحلامي إلا في غفلتهم . أما الآن فلا أسبح مرفرفا في منامي إلا وهم يرقبونني ولا يطيرون في أحلامهم إلا وفرحت بانعتاقهم .


وعظتني نفسي فعلمتني أن لا أطرب لمديح و لا أجزع لمذمة ،
، وقبل أن تعظني نفسي كنت أظل مرتابا في قيمة أعمالي وقدرها حتى تبعث إليها الأيام بمن يقرظها أو يهجوها .



وعظتني نفسي فعلمتني أن السراج الذي أحمله ليس لي ، والأغنية التي أنشدها لم تتكون في أحشائي . فأنا وإن سرت بالنور لست بالنور ، وأنا كنت عودا مشدود الأوتار فلست بالعواد



وعظتني نفسي يا أخي وعلمتني . ولقد وعظتك نفسك وعلمتك . فأنت وأنا متشابهان متضارعان . ومالفرق بيننا سوى أنني أتكلم عما بي وفي كلامي شيء من اللجاجة وأنت تكتم ما بك وفي تكتمك شكل من الفضيلة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق